خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 16 من ربيع الآخر 1441هـ - الموافق 13 / 12 / 2019م
حِمَايَةُ النَّشْءِ مِنَ التَّطَرُّفِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ ذُكُورًا، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، فَهَدَى بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَعَلَّمَ بِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ، فَجَزَاهُ اللهُ عَنْ أُمَّتِهِ خَيْرَ الْجَزَاءِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ صَلَاةً تَمْلَأُ أَقْطَارَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فَإِنَّ التَّقْوَى أَكْرَمُ مَا أَسْرَرْتُمْ، وَأَجْمَلُ مَا أَظْهَرْتُمْ، وَأَفْضَلُ مَا ادَّخَرْتُمْ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ( [الأنفال: 29].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ فِي الْإِسْلَامِ إِنْجَابَ الذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَةِ؛ الَّتِي تَحْرُسُ الْقِيَمَ، وَتَبْنِي الْأُمَمَ، وَتُصْلِحُ الدُّنْيَا وَالدِّينَ، وَتَنْفَعُ أَهْلَ الْأَرْضِ مِنَ الْأَقْرَبِينَ وَالْأَبْعَدِينَ. وَلَمَّا كَانَ الْأَوْلَادُ بِهَذِهِ الْأَهَمِّيَّةِ الْكَبِيرَةِ ؛ فَقَدْ أَوْجَبَ الشَّرْعُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ مَسْؤُولِيَّةً جِدَّ خَطِيرَةٍ؛ فَعَدَّ الْأَبْنَاءَ وَالْبَنَاتِ أَمَانَةً فِي أَعْنَاقِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَمَسْؤُولِيَّةً تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْمُؤَاخَذَةُ وَالْجَزَاءُ، يَتَحَمَّلُونَ تَبِعَاتِهَا إِنْ قَصَّرُوا وَأَهْمَلُوا، وَلَهُمُ الْأَجْرُ الْجَزِيلُ إِنْ قَامُوا بِالْوَاجِبِ وَامْتَثَلُوا؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ» [أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَأَسْدَى لَهُمْ مِنَ النَّصَائِحِ وَالتَّوْجِيهَاتِ، وَأَلْزَمَهُمْ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ: مَا يَضْمَنُ لِلْأَبْنَاءِ حَيَاةً سَعِيدَةً، وَسِيرَةً حَمِيدَةً، وَنَشْأَةً مُبَارَكَةً، وَمُنْقَلَبًا مَحْمُودًا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ( [التحريم:6].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّنَا نَعِيشُ وَاقِعًا كَثُـرَتْ فِيهِ الْفِتَنُ، وَنَحْيَا فِي عَالَمٍ يَئِنُّ مِنْ وَطْأَةِ الْمِحَنِ، وَأَمَامَ اللَّوْثَاتِ الْفِكْرِيَّةِ وَالضَّلَالَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسُّلُوكِيَّاتِ الِانْحِرَافِيَّةِ؛ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يَأْخُذُوا أُهْبَتَهُمْ وَيُحَصِّنُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمُجْتَمَعَهُمْ؛ وَإِلَّا جَرَفَهُمُ السَّيْلُ وَعَمَّهُمُ الطُّوفَانُ. وَلَقَدْ شَرَعَ الْإِسْلَامُ لِلنَّشْءِ سُبُلًا لِلْوِقَايَةِ ثَابِتَةً قَوِيَّةً، وَهَيَّأَ لِلْعِلَاجِ وَسَائِلَ نَاجِعَةً مَرْضِيَّةً؛ تَحْمِيهِمْ مِنَ الْآرَاءِ الْمُنْحَرِفَةِ، وَتُحَصِّنُهُمْ مِنَ الْأَفْكَارِ الْمُتَطَرِّفَةِ.
أَلَا وَإِنَّ أَعْظَمَ مَا وَضَعَهُ الشَّرْعُ لِذَلِكَ: تَعْلِيمُهُمُ الْعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ، وَهِيَ فَاتِحَةُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ جَمِيعًا الَّتِي تُوَثِّقُ صِلَتَهُمْ بِالْخَالِقِ، وَتُعَزِّزُ تَوَاصُلَهُمْ بِالْمَخْلُوقِ، وَتُحَرِّرُهُمْ مِنَ الْأَوْهَامِ وَالْخُرَافَاتِ وَالْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ، وَتَحُثُّهُمْ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَفَضِيلَةٍ، وَتُحَذِّرُهُمْ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَرَذِيلَةٍ؛ )فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ( [الكهف:110]، فَإِذَا عَرَفُوا حَقَّ اللهِ عَلَيْهِمْ وَحُقُوقَ الْمَخْلُوقِينَ: أَعْطَوْا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
ثُمَّ تَعْلِيمُهُمُ الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ الصَّحِيحَ الْقَائِمَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَيَعْصِمُ صَاحِبَهُ مِنَ الْفِتَنِ، وَيُثَـبِّـتُهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْمِحَنِ، وَالَّذِي يُبَصِّرُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ بِالْمَعَارِفِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُسْتَقَاةِ مِنْ مَنَابِعِهَا الْأَصِيلَةِ، وَيَعْصِمُهُمْ مِنَ الْمَفَاهِيمِ وَالتَّصَوُّرَاتِ الْخَاطِئَةِ الْمُتَلَقَّاةِ مِنْ مَصَادِرَ مَغْلُوطَةٍ أَوْ مَشْبُوهَةٍ، وَتَوْجِيهُهُمْ إِلَى اقْتِفَاءِ سَبِيلِهِ، وَإِعَانَتُهُمْ عَلَى تَحْصِيلِهِ، )أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا( [الأنعام: 122]، وَهَذَا النُّورُ هُوَ الْقُرْآنُ أَوِ الْإِسْلَامُ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ النَّافِعُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ؛ قَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (لَا تَضُرُّكَ الْفِتْنَةُ مَا عَرَفْتَ دِينَكَ، إِنَّمَا الْفِتْنَةُ إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ فَلَمْ تَدْرِ أَيَّهُمَا تَتَّبِــعُ؛ فَتِلْكَ الْفِتْنَةُ) [أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ].
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
وَمِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ: تَعْلِيمُ النَّشْءِ مَنْهَجَ الِاعْتِدَالِ وَالْوَسَطِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْهَجُ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا( [البقرة:143].
فَالدِّينُ أَقْوَى حِصْنٍ وَأَعْظَمُ مَحْضِنٍ لِحِمَايَةِ النَّشْءِ مِنَ الِانْحِرَافِ وَالتَّطَرُّفِ، وَحِرَاسَتِهِ مِنْ شِرَاكِ الْغُلُوِّ وَإِسَاءَةِ التَّفْكِيرِ وَالتَّصَرُّفِ؛ )إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ( [الإسراء: 9].
وَأَنْ يَأْخُذُوا الْعِلْمَ عَنِ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ الرَّاسِخِينَ، الَّذِينَ عُرِفَ عَنْهُمُ الْعِلْمُ الرَّصِينُ، وأُثِرَ عَنْهُمُ الْخُلُقُ الرَّزِينُ، الَّذِينَ يُؤْثِرُونَ الْحَقَّ وَيَقُولُونَ الصِّدْقَ، وَلَا يَخَافُونَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، فَهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى وَأَنْوَارُ الدُّجَى، وَالْمَلَاذُ بَعْدَ اللهِ تَعَالَى فِي أَزْمِنَةِ الْفِتَنِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى، وَهُمُ الدَّاخِلُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: )فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ([النحل: 43]. وَلَا يَخْفَى – أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ – أَنَّ تَرْبِيَةَ النَّاشِئَةِ التَّرْبِيَةَ الْإِيمَانِيَّةَ الْقَوِيمَةَ، وَتَنْشِئَتَهُمْ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ الْكَرِيمَةِ- بَعِيدًا عَنِ التَّيَّارَاتِ الْمُنْحَرِفَةِ وَالْمَشْبُوهَةِ، وَبِمَنْأًى عَنِ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ وَالْمَوَاقِعِ الْمَوْبُوءَةِ- حِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الِانْحِرَافِ الْعَقَدِيِّ وَالْفِكْرِيِّ، الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْوُقُوعِ
فِي الْأَفْكَارِ الْمُكَفِّرَةِ وَالْآرَاءِ الْمُدَمِّرَةِ، وَيَجْعَلُ مِنَ النَّاشِئَةِ مِعْوَلَ هَدْمٍ لِمُجْتَمَعَاتِهِمْ، وَأَدَاةَ تَدْمِيرٍ لِمُنْجَزَاتِهِمْ، وَآلَةَ نَسْفٍ لِمَاضِيهِمْ وَحَاضِرِهِمْ وَمُسْتَقْبَلِ حَيَاتِهِمْ.
وَقَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ شَرَّ الأَشْرَارِ، وَكَفَانَا – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كَيْدَ الْفُجَّارِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَوْجَبَ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ حُسْنَ تَرْبِيَةِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، حَثَّ عَلَى رِعَايَةِ الأَوْلَادِ وَحِمَايَتِهِمْ مِنَ الرَّذَائِلِ وَالْمُوبِقَاتِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الَّذِينَ رَبَّوْا أَبْنَاءَهُمْ عَلَى الْفَضَائِلِ وَالْمَكْرُمَاتِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَرِضَاهُ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَوْلَادَ نِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ فَصُونُوهَا، وَأَمَانَةٌ غَالِيَةٌ فَاحْفَظُوهَا.
عِبَادَ اللهِ:
لَمَّا كَانَ الْأَوْلَادُ ثِمَارَ قُلُوبِنَا، وَعِمَادَ ظُهُورِنَا، وَكَانَ النَّاشِئَةُ امْتِدَادَ حَيَاتِنَا وَأَفْلَاذَ أَكْبَادِنَا؛ فَإِنَّ حَقَّهُمْ عَلَيْنَا كَبِيرٌ، وَوَاجِبَنَا نَحْوَهُمْ خَطِيرٌ؛ إِذْ يَتَحَتَّمُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْعَى فِي تَعْلِيمِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ، وَأَنْ نَقُومَ بِرِعَايَتِهِمْ وَحِمَايَتِهِمْ.
أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَوْجَبِ الْوَاجِبَاتِ: أَنْ نُبْعِدَهُمْ عَنِ الْأَمَاكِنِ الْمَوْبُوءَةِ وَالْمَوَاقِعِ الْمَشْبُوهَةِ، الَّتِي تُلْقِي بِهِمْ فِي مَصَايِدِ أَشْخَاصٍ مَجْهُولِينَ، فَتَغْسِلُ عُقُولَهُمْ وَأَدْمِغَتَهُمْ؛ لِتَكُونَ مَحْضِنًا لِلسُّمُومِ الْفَتَّاكَةِ، وَمُسْتَنْقَعًا لِلْأَفْكَارِ الْهَدَّامَةِ.
وَأَنْ نُرْشِدَهُمْ إِلَى حُسْنِ اسْتِخْدَامِ الْمَوَاقِعِ الْإِلِكْتُرونِيَّةِ وَوَسَائِلِ التِّقْنِيَّةِ الْحَدِيثَةِ، وَمُتَابَعَةِ مَصَادِرِ تَلَقِّي الْمَعْلُومَاتِ لَدَيْهِمْ، وَأَنْ نَحْرِصَ عَلَى تَوْعِيَـتِهِمْ بِعِظَمِ شَأْنِ الْفَتْوَى وَخَاصَّةً فِي كُبْرَيَاتِ الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ، وَخُطُورَةِ الْجُرْأَةِ فِيهَا مِنْ دُونِ أَهْلِيَّةٍ عِلْمِيَّةٍ، وَأَهَمِّيَّةِ الرُّجُوعِ فِي الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُعْتَبَرِينَ وَالْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ.
كَمَا يَجِبُ تَحْذِيرُهُمْ مِنَ الْمُتَحَمِّسِينَ وَالْمُتَسَرِّعِينَ بِغَيْرِ فِكْرٍ وَلَا رَوِيَّةٍ؛ الَّذِينَ يَضُرُّونَ مِنْ حَيْثُ يَرُومُونَ النَّفْعَ؛ الَّذِينَ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ قَوْلُ رَبِّ الْبَرِيَّةِ: )وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ( [النساء: 83]. وَيَصْدُقُ فِيهِمْ قَوْلُ الْقَائِلِ:
رَامَ نَفْعًا فَضَرَّ مِنْ غَيْرِ قصْدٍ وَمِنَ الْبِرِّ مَا يَكُونُ عُقُوقَا
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
وَإِنَّ مِنْ وَسَائِلِ حِمَايَتِهِمْ: تَجْنِيبَهُمْ رُفَقَاءَ السُّوءِ وَقُرَنَاءَ الشَّرِّ؛ الَّذِينَ يُسِيئُونَ وَلَا يُحْسِنُونَ، وَيُفْسِدُونَ وَلَا يُصْلِحُونَ؛ لِكَيْلَا يَكُونُوا لُقْمَةً سَائِغَةً بِأَيْدِي الْعَابِثِينَ، أَوْ هَدَفًا سَهْلًا لِلْأَعْدَاءِ الْمُتَرَبِّصِينَ، وَإِرْشَادَهُمْ إِلَى حُسْنِ اخْتِيَارِ الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ النَّاصِحَةِ الَّتِي تَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ، وَتُحَذِّرُ مِنَ الشَّرِّ وَتَنْأَى عَنْهُ، وَالْإِنْسَانُ عَلَى خُلُقِ صَاحِبِهِ وَطَبْعِهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ].
وَتَعْوِيدَهُمْ حَلَّ الْمُعْضِلَاتِ، وَمُوَاجَهَةَ الْمُشْكِلَاتِ؛ بِالْحِوَارِ الْهَادِفِ الْقَائِمِ عَلَى الْوُدِّ وَالرَّحْمَةِ وَالتَّفَاهُمِ وَالْحِكْمَةِ، وَإبْعَادَهُمْ عَنِ الْأَجْوَاءِ الْمَشْحُونَةِ بِالتَّوَتُّرِ وَالتَّعَصُّبِ وَالْمَلْأَى بِالْيَأْسِ وَالْإِحْبَاطِ.
وَكَسْبَ قُلُوبِهِمْ بِالرِّفْقِ وَاللِّينِ وَحُسْنِ مُعَامَلَتِهِمْ؛ فَإِنَّ «الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ». وَتَنْمِيَةَ عُقُولِهِمْ وَمَهَارَاتِهِمْ، وَإِرْشَادَهُمْ إِلَى اغْتِنَامِ أَوْقَاتِهِمْ وَتَفْرِيغِ طَاقَاتِهِمْ فِي الْمَشَارِيعِ الْمُثْمِرَةِ، مِنَ الْأَنْشِطَةِ الْعِلْمِيَّةِ أَوِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ أَوِ الرِّيَاضِيَّةِ أَوِ الثَّقَافِيَّةِ الزَّاخِرَةِ. وَمِنْ ذَلِكَ – يَا عِبَادَ اللهِ- تَرْبِيَـتُهُمْ عَلَى مَبْدَأِ التَّحَرِّي وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأَخْبَارِ وَالْمَعْلُومَاتِ، وَعَدَمِ الِانْخِدَاعِ بِالْإِشَاعَاتِ الْمُغْرِضَةِ وَالْمَعْلُومَاتِ الْمُضَلِّلَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ( [الحجرات : 6].
فَلْنَحْمِ نَاشِئَتَنَا مِنَ الِانْحِرَافِ الْمَقِيتِ وَالتَّطَرُّفِ الْمُمِيتِ، وَلْنُؤَدِّ الْأَمَانَةَ الَّتِي فِي أَعْنَاقِنَا تُجَاهَ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا، بَدْءًا بِالْأُسْرَةِ ثُمَّ الْمَدْرَسَةِ وَالْمَسْجِدِ وَالْمُجْتَمَعِ وَمَحَاضِنِ التَّعْلِيمِ وَالتَّوْجِيهِ عَامَّةً، وَانْتِهَاءً بِوَسَائِلِ الْإعْلَامِ؛ اسْتِجَابَةً لِقَوْلِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ( [الأنفال:27].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الأَبْرَارِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَلْهِمْنَا شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَدَوَامَ عَافِيَتِكَ، وَجَنِّبْنَا فُجَاءَةَ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعَ سَخَطِكَ، وَبَارِكِ اللَّهُمَّ لَنَا فِي أَوْقَاتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَأَوْلَادِنَا وَأَزْوَاجِنَا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالإِيمَانِ، يَا ذَا الجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة